الجهة بين التراب و المجال:
1. الجهة بين المركز و المحيط
الجهة تتلقى مشروعيتها من المركز، و لكن تحويل الاختصاصات الأساسية و الحرية المعترف بها للجهة في أنماط العمل و التنظيم يمكنان من قبول التنوع الذي يغني و يخلق ديناميكية لا شك فيها.
الجهة هي المجال الأكثر دينامية و تنوعا باعتبارها تمثل متغيرا وسيطا بين الدولة و الأفراد و الجماعات قادرا على لحم المصالح المجتمعية و التعبير عنها.
إن تحليل الجهة انطلاقا من دراسة العلاقة بين المركز و المحيط داخل الدولة القطرية يعد أساسيا و لكنه ينبغي أن يتسع ليشمل تحليلها انطلاقا أو بالموازاة كذلك مع دراسة العلاقة بين المركز و المحيط داخل النظام العالمي و على صعيد التشكل الكوني للنظام الرأسمالي الذي أصبح نظاما عالميا مسيطرا في مركزه و هوامشه عبر العالم على حد سواء، مما تتيح لنا هذه المقاربة إمكانية الانفتاح على حقول جديدة للفهم و الدراسة و التحليل تقربنا أكثر من فهم المنطق الجديد لعملية التنمية في علاقتها بإشكالية بناء الجهة في الدول المتخلفة، لكن السير وراء هاته المقاربة لا يعني بالضرورة غياب الوعي بإشكالية التبعية و علاقات القوة التاريخية و المعاصرة التي ميزت و لازالت تميز النظام العالمي عبر تقسيماته و آليات اشتغاله في مراكزه و أطرافه و بالتالي فإن التصور القائم على خلفية مفهوم العولمة قادر على احتواء و فهم هذه الإشكالية الأخيرة و كذلك تجاوزها لصالح تحليل أكثر انفتاحا و شمولية و أكثر تناسبا مع تطور المجتمع الدولي في المرحلة الراهنة .
2. الجهة و اعادة الانتاج الاجتماعي :
- تعنى سوسيولوجيا الجهة بدراسة الأشكال المادية و الاجتماعية و الرمزية التي يأخدها مفهوم الجهة و تطبيقه على أرض الواقع في مجتمع ما و ذلك للوقوف على الأبعاد الاجتماعية لعلاقة الجهة بالتنمية .
- تقوم سوسيولوجيا الجهة على تقدير الأهمية النظرية التي ينطوي عليها البعد الجهوي في مقاربة إشكالية التنمية إذ تعتبره أداة نظرية هامة مساعدة على الفهم سواء عند تحليل و تفسير وضعية الاقتصاد و المجتمع أو عند التحديد النظري لشروط النمو أو عند تقرير السياسة الاقتصادية الرامية إلى التخطيط التنموي فالبعد الجهوي يظهر كأحد مكونات الكل الاجتماعي الذي لا يمكن أن يفهم إلا بتظافر جميع جوانبه .
- إن تحليل البعد الجهوي يقتضي تحديد الأشكال التي تتخذها إعادة الإنتاج و هي ترجع إلى ثلاثة أشكال أساسية متداخلة و هي : الشكل المادي الطبيعي و الشكل الاجتماعي و الشكل الفكري الرمزي، حيث يبدو أن التباينات الجهوية ترتبط أساسا بإعادة الإنتاج في شكله المادي(الطبيعي) لأنها ترتبط في الواقع بمكونات المجال الترابي و الطبيعي . و هذا ما أدى إلى وجود فروق و اختلافات بين الجهات و المناطق المكونة للمجال الترابي و لكن هذه التباينات تنعكس على كل المستويات و الأشكال الأخرى التي تتخذها إعادة الإنتاج و هي الشكل الاجتماعي و الشكل الرمزي، إن هذه التمايزات تحدد تبعا لطبيعة الإنتاج و إعادة الإنتاج الاجتماعي و لا يمكن ردها فقط إلى مجرد نوع من الحتمية الطبيعية أو الجغرافية .
- هذه الفرضية تجد نجاعتها و قدرتها التفسيرية بكل جلاء في نوعية تطور المستوى أو البناء الجهوي للمجتمعات التي يحكمها منطق الإنتاج التبادلي، كما تسعفنا للوقوف على التمايزات الجهوية التي تطبع المجال الاقتصادي و الاجتماعي للتشكيلات الاجتماعية المنبنية على منطق الإنتاج الاجتماعي .
- لا يمكن تقدير أهمية الأبعاد الاجتماعية للجهة خارج مقاربة متعددة الأبعاد تسمح بمعالجة شمولية للتنمية أساسا باعتبار أن العملية الاجتماعية هي ما يمكن من لحم النسيج الترابي الذي تندمج فيه البنية التحتية للإنتاج و علاقات التبادل باعتبار أن الجهة تشكل إنتاجا اجتماعيا داخلي التكوين و المعنى إذ يتشكل من خلال بنية التمثلات و القيم و العلاقات و التطلعات و الرهانات الاجتماعية للجماعة الإنسانية .
3. الجهة و التوازن الجهوي
هناك صعوبات نظرية و علمية تتعلق بتعريف مفهوم و حالة التوازن الجهوي، و ذلك لأنه ارتبط بالمدارس الاقتصادية و السوسيولوجية التي تبنت فرضية وجود و استمرارية حالة نموذجية للنظم الليبيرالية الرأسمالية و انطلقت كذلك من إمكانية حدوث التجانس و التوازن بين السلوكات أو المكونات الاقتصادية و الاجتماعية الفردية باعتبار أن حالة التوازن ضرورية لتحقيق الوجود و الاستمرارية بينما مفهوم التوازن في التنمية الاقتصادية يستخدم كمرادف لمساواة معدلات النمو بالنسبة للجهات كما قد يكون مرادفا لتساوي المداخيل الجهوية الكلية .
تظهر صعوبة هذا المفهوم كذلك بصعوبة تحديد المعيار الذي يجعل من التوازن الجهوي أهم أو أفضل من اللاتوازن الجهوي و أن التوازن بين الجهات لا يعارض النمو الاقتصادي الوطني .
تظهر صعوبة هذا المفهوم كذلك في صعوبة التخلص من الدلالة الوظيفية و النزعة المحافظة التي يخضع لها مفهوم التوازن و التي كانت شرط إنتاجه في النظريات السوسيولوجية و الاقتصادية الكلاسيكية .
0 التعليقات :
إرسال تعليق