الأربعاء، 20 فبراير 2019

الظاهرة الحضرية في تراث السوسيولوجي 1

الظاهرة الحضرية في التراث السوسيولوجي:
لقد حظيت الظاهرة الحضرية باهتمام بالغ الأهمية من طرف الرواد الأوائل لعلم الاجتماع الذين جعلوا من إشكالية التحضر والحضرية وما يرتبط بهما من إشكاليات أحد المواضيع الأساسية التي اشتغلوا عليها، ومن خلال المجال الحضري وما يزخر به من تفاعلات باعتباره مختبرا غنيا بالظواهر الاجتماعية، استطاع علماء اجتماع القرنين 18 و19 و20 ( ماركس- دوركايم- ماكس فيبر- سيمل- رواد مدرسة شيكاكو الأوائل...) صياغة مفاهيم وبناء قوانين نظرية واختبار فرضيات سوسيولوجية، ومن أجل فهم كل النتائج المترتبة عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية... التي عرفتها مجتمعاتهم إبان المرحلة التاريخية التي عايشوها. ومن أجل فهم كذلك العديد من الظواهر والأفعال الاجتماعية والسلوكات الفردية داخل الوسط الحضري.
وقد كان وراء اهتمام رواد علم الاجتماع الأوائل بالظاهرة الحضرية، عد عوامل أهمها، طبيعة المرحلة التاريخية التي زامنوها والتي عرفت جملة من التحولات الكبرى في تاريخ مجتمعاتهم إبان الثورات التي عرفتها أوربا أنذاك بداية من الثورة السياسية (فرنسا) والثورة والثورة الفكرية/ الثقافية (ألمانيا) الى الثورة الصناعية (انجلترا) وقد كان من نتائج هذه الأخيرة حدوث العديد من التحولات، كانت المدينة مسرحا لها، حيث تغيرت أنماط الحياة وتضخمت المدن وانتشرت حركة تمدين وصاحبها انتشار حركة تصنيع كبرى وظهور ظواهر اجتماعية جديدة بالمدن وارتفاع نسبة الهجرة... كل هذه التغيرات والتحولات كانت من بين الأسباب التي جعلت رواد علم الاجتماع الأوائل يوجهون اهتمامهم بالظاهرة الحضرية أنذاك.
- إذن فكيف قارب رواد السوسيولوجيا الأوائل الظاهرة الحضرية، وظاهرة التحضر، وهم يعيشون أهم التغيرات والتحولات الاجتماعية الكبرى التي عرفتها أوربا خلال القرن التاسع عشر؟
- و ما هي مساهمة رواد مدرسة شيكاغو الأوائل في فهم وتحليل ومقاربة الظاهرة الحضرية، وهم بدورهم يعيشون مرحل من أهم مراحل التوتر الذي كانت تعرفه مدينة شيكاغو؟
- وما هي خصوصيات التحضر والظاهرة الحضرية في دول العالم الثالث؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة والتطرق الى الاهتمام السوسيولوجي المبكر بالظاهرة الحضرية، تدعونا الضرورة المنهجية الوقوف عند المفاهيم من أجل تحديدها حتى نرفع اللبس والغموض عنها وبالتالي توضيح القصد منها.
إذن فما المقصود بمفهوم المدينة؟ وما المقصود بمفهوم التحضر والحضرية؟ وما المقصود كذلك بمفهوم التنمية الحضرية؟
1- تحديد الجهاز المفاهيمي:
أ- سوسيولوجيا التحضر:
يمكن تعريف سوسيولوجيا التحضر بأنها فرع معرفي داخل الحقل السوسيولوجي بصفة عامة، يهتم بدراسة الظاهرة الحضرية، وبدراسة الأنماط الثقافية والاجتماعية في الحياة الحضرية. ويفسر كذلك المظاهر المميزة للحياة الحضرية وتأثيرها على المواقع الاجتماعية للأفراد. كما يهتم بمقاربة إشكالية نشأة المدن وتطورها والإشكالات التي تترتب عن التوسع الحضري. ويعتبر التقسيم الطبقي السائد داخل المراكز الحضرية أحد المواضيع والإشكالات الأساسية التي تحظى بالاهتمام من طرف علم الاجتماع الحضري.
وهكذا فإن موضوع علم الاجتماع الحضري هو المدينة كفضاء غني بالتفاعلات الاجتماعية والظواهر الاجتماعية، وانطلاقا من هذا الفضاء يهتم علم الاجتماع لحضري، بدراسة المؤسسات الحضرية ومقاربة السلوك الاجتماعي للأفراد داخل الوسط الحضري، ورصد العوامل المتحكمة في وظائف تشكله من خلال علاقته بالثقافة والمجال الحضريين.
ومن الناحية الميتودولوجية و الابستمولوجية فإن علم الاجتماع الحضري، يستمد أسسه المنهجية والمعرفية ومفاهيمه الأساسية وأدواته الميدانية من التراث السوسيولوجي. أي المناهج السائدة في علم الاجتماع، بالانفتاح شيئا ما على بعض الفروع المعرفية الأخرى في حقل العلوم الاجتماعية، كالجغرافيا (الجغرافيا البشرية، وجغرافية السكن...) والتاريخ والأنثروبولوجيا، وكل الفروع المعرفية التي تهتم بمقاربة الظاهرة الحضرية.
ب- مفهوم المدينة:
يبقى مفهوم المدينة صعب التحديد نظرا لتعدد المعايير يتم اعتمادها من أجل التمييز بين المدينة والبادية، إذا غالبا ما يتم الاعتماد على معيار معدل تعدد السكان، غير أن هذا العدد يختلف من دولة لأخرى، ومن حقبة تاريخية لأخرى كذلك، وبذلك نجد مثلا أن بعض الدول الأوربية كفلندا والسويد، تعتبر كل تجمع سكاني تجمعا حضريا إذا زاد عدد سكانه 200 نسمة، ونجد نسبة 250 نسمة عند الدانمارك، و 2000 نسمة عند فرنسا، و 11000 عند مصر و30000 عند اليابان، هذا التباين في تعريف المراكز الحضرية أو المدينة يبن بوضوح درجة التحضر في بلدان العالم.
وفي ظل غياب وجود فروق سوسيولوجية ثابتة للتمييز بين المدينة والبادية، وفي ظل كذلك وجود نمط عيش ريفي في بعض المدن رغم كثافته السكانية، يبقى معيار الكثافة ضعيفا للتمييز بين الاثنين.
وبالاعتماد على معيار العدد والكثافة السكانية المتمركزة في مجال معين، من أجل تحديد الفرق بين المدينة والبادية يبقى ضعيفا، لأن مسألة ربط المدينة بالتوسع الديمغرافي وبمفهوم التحضر غير كافية لإعطاء تحديد دقيق للمدينة كفضاء له خصائص فيزيقية موضوعية ( المواصلات، التجهيزات، البنيات العالية، المؤسسات، المرافق العمومية...) و مجال لتجمع أفراد ذوي نمط خاص في العيش والتعامل، وهي بذلك تتجاوز بالكثير مفهوم التحضر.
بالإضافة إلى معيار الكثافة السكانية نجد العديد من المعايير الأخرى كالمعيار الإداري الذي يعتبر أنه كلما توفرت المؤسسات ( المستشفيات، الأسواق الحدائق، المنتزهات، الإدارات، المدارس، المعاهد....) اعتبر المجال حضريا. وكلما قل تواجد هذه المؤسسات اعتبر المجال قرويا، كما نجد كذلك المعيار الضريبي الذي يعتبر أنه إذا كانت الضرائب عقارية وذات مداخل متعددة تدفع عن المباني والمنشآت الصناعية والتجارية اعتبر المجال حضريا، وإذا كانت هذه الضرائب تدفع مثلا على الإنتاج الزراعي كان المجال قرويا، وهناك كذلك المعيار العمراني الذي يميز بين المدينة والبادية من خلال طبيعة البنايات العمرانية، بحيث أن المجال الحضرية والمدينة هي التي توجد فيها حدائق بديعة والمؤسسات الخدماتية والأسواق... أما المجال القروي فهو الذي يغيب فيه هذا النمط العمراني بنفس الخصائص، هذا علاوة على المعيار التاريخي، وكذلك الشأن بالنسبة للمعيار المهني، إذ يتم التمييز بين الفضائيين(البادية- المدينة) من خلال طبيعة المهن والحرف والأنشطة الاقتصادية.
غير أن أهم ما يمكن قوله على هذه المعايير الكمية الأحادية البعد، هو أنها تبقى معايير ناقصة للتمييز بين المدينة والبادية، لأن المسألة أكثر من ذلك بالكثير وتحتاج الى نوع من المقاييس الكيفية المتعددة الأبعاد، خاصة وأن الفروق الريفية/ الحضرية هي بالأساس ظاهرة ثقافية مرهونة بثقافة المجتمع ككل لا يمكن الحديث عن خصائص عامة تميز القرية أو المدينة، في كل زمان ومكان .
وإذا ما رجعنا الى التراث السوسيولوجي نجد مسألة المقارنة بين البادية والمدينة من أجل التمييز بينهما وتفسير مختلف الظواهر والأفعال الاجتماعية للأفراد داخل الوسط الحضري أو القروي عند رواد المؤسسين لعلم لاجتماع[5] بداية بابن خلدون ومروا بإميل دوركايم وتونيز ووصولا الى ماكس فيبر... وغيرهم كثير ممن وضعوا نوعا من المقارنة بين البادية والمدينة في تناولهم للمسألة الحضرية.
ويعرف جورج جورفيتش المدينة على أساس أنها عبارة عن نتاج تركيز السكان ووسائل الإنتاج ورأسمال المتع والحاجات، في حين يمثل المجتمع القروي العزلة والانفصال.
ويغرف لويس وورث المدينة على أساس أنها تميز عن القرية بعدة خصائص. أهمها حجم السكان الأكبر وتركز الكثافة السكانية، وسيادة العلمانية والعقلانية وانهيار النسيج المعياري والأخلاقي وعدم التجانس الاجتماعي
وتعرف المدينة من الناحية القانونية على أساس أنها كيان قانوني يخضع للقانون العام للدولة ومن المتوقع أن يؤدي هذا الكيان عدة وظائف سواء كانت حكومية أو محلية، ووفقا لهذا التعريف فإن المدينة تعتبر وحدة إدارية محلية (لامركزية) لها حدود محددة قانونيا وأشخاص منتجون محليا يتمتعون بسلطات واختصاصات محددة.
يبقى هذا التعريف القانوني غامضا، وغير واضح بالإضافة التعاريف الكمية الأخرى التي تبقى قاصرة في تحديد مفهوم المدينة غير أن التعاريف التي اعتمدت على البعد الكيفي المتعدد الأبعاد، تبقى الأقرب الى اعطاء صورة حقيقية حول مفهوم المدينة، لذلك وجب الاعتماد على كل هذه الأبعاد الكمية والكيفية، في تحديد مفهوم المدينة كمجال أو فضاء جغرافي يتميز بتمركز كثافة مهمة من الناس، والوسائل والخدمات والمؤسسات، كما أنه يتميز بنمط خاص في العيش وطبيعة العلاقات الاجتماعية والأنساق الثقافية، والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ج- مفهوم التحضر:
تجاوزا للتعاريف الإحصائية لمفهوم التحضر، سوف نحاول التركيز على التعريف السوسيولوجي للتحضر، نظرا لغياب وجود تعريف واحد لمفهوم التحضر، الذي يتسم بالغموض وتعدد الدلالات والمعاني وفي هذا الإطار نجد بوشنفاتي بوزيان يقول:" إن الصعوبة الأولى يصادفها الدارس في علم الاجتماع هو غياب وغموض المصطلحات التي تتداول في الدراسات، وهذا الغموض قد يكون نتيجة لأسباب كثيرة، إما ل لإهمال تحديد هذه المفاهيم باعتبارها واضحة بذاتها تعبيرا عن نوع من البداهة والشفافية المغلوطة أو عن صعوبة او استحالة التحديد (...) ويصدق هذا القول على مفهوم الحضر والتحضر ذاته أي الوضع القائم Urbanisation et Urbain وعملية تكون الظاهرة.
وفي هذا الإطار كذلك نجد مانويل كاستيل في مستهل دراسته حول " المسألة الحضرية:"La question urbain" يقول : في أدغال التعاريف الدقيقة التي أغنانا بها علماء الاجتماع يمكننا أن نميز بوضوح معنيين متمايزين لكلمة تحضر:
- التحضر باعتباره تركزا مجاليا للسكان انطلاقا من حدود معينة من حيث الحجم والكثافة.
- التحضر باعتباره انتشارا لنسق من القيم والمواقف والسلوكات، يسمى ثقافة حضرية.
ويعرف ألدريج Eldrige مفهوم التحضر باعتباره سيرورة تركز للسكان وهذه السيرورة تشمل أيضا عمليتين أخريين هما أولا انتشار وامتداد نقط التركز هذه وثانيا ارتفاع حجم وكثافة كل نقطة من هذه النقط.
وهكذا فإن مفهوم التحضر يتضمن دلالتين الأولى ديمغرافية- مجالية (التحضر الكمي) والثانية اجتماعية-ثقافية(التحضر الكيفي)، ومن ثم فإن مفهوم التحضر يشير الى فعل الانتقال من وضع إلى وضع أخر مختلف، وذلك على المستوى الديمغرافي و المجالي وعلى المستوى الاجتماعي- ثقافي، والتحضر لا يتم إلا على شكل سيرورة تتم في المكان والزمان وهي عملية تستهدف إدماج عناصر جديدة (مجالية أو إنسانية) في دائرة التحضر.
ومن هنا يمكن القول بأن مفهوم التحضر يتضمن ثلاث أبعاد أساسية، وهي:
- التحضر باعتباره امتدادا جغرافيا أو مجاليا للمدينة. وتهتم بدراسته الجغرافيا.
- التحضر باعتباره نموا سكانيا للمدينة، وتهتم بدراسته الديمغرافيا.
- التحضر باعتباره انتشار لنمط عيش هو نمط العيش الحضري، وهو ما تهتم بدراسته السوسيولوجيا.
وهكذا فإن التحضر سيرورة من سيرورات التعبير تتم بواسطة الانتقال أهل البادية الى المدينة، أو تحول المناطق الريفية إلى مناطق حضرية، وعادة ما تؤثر هذه العملية على التركيب المهني و الاجتماعي والاقتصادي لسكان البدو والحضر على السواء (...) ويشير مفهو م التحضر الى أكثر من الارتفاع أو الانخفاض في عدد السكان الحضر والبدو والانتقال في الزراعة إلى الصناعة، إذ يتضمن تغيرا في حياتهم كما يضم تغيرا في جو العمل الذي يتطلب بدوره تقسيما جديدا للعمل والتحضر خاصيتين أساسيتين: فمن الناحية الديمغرافية هناك مستوى عالي من التركيز السكاني، ومن ناحية البناء الاجتماعي، يعرف النظام الاقتصادي والتنظيم الاجتماعي تغيرا، كما يمكن تعريف التحضر على أساس أنه تلك العملية التي تصبح بها الحضرية أسلوبا مميزا للحياة.
د- مفهوم الحضرية/المدنية:
يرتبط مفهوم الحضرية ارتباطا وثيقا بمفهوم التحضر، كما يرتبط الاثنين بمفهوم المدينة، إذ لا يمكن الحديث عن التحضر سواء في بعده الكمي أو الكيفي أو الحديث عن الحضرية في غياب مجال جغرافي وثقافي واقتصادي واجتماعي... يتميز بنمط خاص، أي في غياب المدينة. إذن فالعلاقة بين كل هذه المفاهيم هي علاقة جدلية وتفاعلية لا يمكن الفصل بينها في تناول أي مفهوم منها.
ويمكن تعريف الحضرية Urbanisme على أساس أنها تشير الى طريقة العيش والحياة المميزة لأهل المدن الذين يتبعون عادة أسلوبا أو نمطا في حياتهم، وهو أمر يتعلق بالسلوك اليومي للإنسان الحضري أو المتحضر، الذي يتميز بنمط سوسيو- ثقافي خاص به، نمط يتشكل انطلاقا من الخصائص الثقافية والاجتماعية التي تميز الحياة الحضرية والوسط ( المجال/ الفضاء الحضري- المديني) الذي يحتم على الإنسان القروي ضرورة التكيف والتأقلم معه من أجل الاندماج فيه سوسيوثقافيا واقتصاديا، تكيفا نفسيا وعلائقيا وثقافيا واجتماعيا مع متطلبات الحياة الحضرية و المدينية، وأحد مظاهر هذا التكيف هو جعل سلوك الإنسان القروي الذي يحمل ثقافة ريفية بالمجال الذي ينتمي إليه، مع سلوك أهل المدينة الذي يتميز هو الأخر بمجموعة من الخصائص عن السلوك الريفي.
غير أن هذا الارتباط بين مفهوم التحضر والحضرية لا يعد ارتباطا مطلقا، إذا ما نظرنا لمفهوم التحضر من حيث هو تركز عالي للكثافة السكانية بالوسط الحضري، أي من حيث الجانب الكمي للتحضر، والذي يعني النمو الديمغرافي والتوسع المجالي، على اعتبار أن هناك العديد من السكان الريفيين في البلدان الأوربية قد اختاروا نمط العيش الحضري والانتقال إلى المدينة بسبب سهولة الاتصالات ، وتكسر الحواجز الجغرافية و المجالية بين المدين والقرية وبسبب الغزو الثقافي أو المثاقفة التي تتعرض له البادية بسبب انتشار وسائل الإعلام.... ولكن رغم هذا الانتقال ورغم هذه المثاقفة والغزو الثقافي، نجد هؤلاء السكان القرويين قد احتفظوا بنمط عيشهم الريفي داخل الوسط الحضري.
هكذا فإن الحضرية هي تحضر من حيث هو نمط العيش كما يعرفه لويس وورث ، وليس باعتباره انتقال ديمغرافي أو توسع مجالي في الكثافة السكانية أو عدم التجانس الاجتماعي... أو بعبارة أخرى حسب كاستيلز فإن الحضرية هي نمط للعيش وطريقة في الحياة والسلوك، وهي تحضر من حيث هو " ثقافة حضرية" ونسق من المواقف والقيم والمعايير و السلوكات ونظم من التفكير وطرق في التفكير والعيش.
هـ- مفهوم التنمية الحضرية:
إذا كانت كل المفاهيم السابقة تتسم بالغموض وصعوبة التحديد، فإن هذه الصعوبة والغموض لا تقل شأنا في تحديد مفهوم التنمية باعتباره مفهوما معقدا ومتعدد الأبعاد والدلالات، بالإضافة إلى كونه مشحونا بالتوجهات الايديوولجية.
إن كل المفاهيم من قبيل التنمية الحضرية والتنمية القروية والتنمية البشرية والتنمية المستدامة والتنمية المحلية والتنمية الوطنية... كل هذه المفاهيم وغيرها كثير تدخل في نفس الإطار أو الحقل السيمنطقي لمفهوم التنمية، كمفهوم شامل ومتعدد الأبعاد والدلالات. والملاحظ في كل هذه المفاهيم القطاعية التي تحاول تجزيء مفهوم التنمية، هي أنها مفاهيم جزئية تعطى لها دلالات ومعاني ترتبط بالحقل أو المجال الذي تنتمي إليه. مما يجعلها مفاهيم غامضة ومتعددة الدلالات والأبعاد التي تختلف من باحث إلى أخر، ومن فترة تاريخية إلى أخرى، ومن مجتمع إلى أخر.
وذا كانت التنمية في مفهومها العام تعني عملية تغير اقتصادي واجتماعي و ثقافي وسياسي... يحدث في المجتمع ويتم التخطيط له وتوجيهه، من أجل الانتقال من وضع غير مرغوب فيه إلى وضع أخر مرغوب فيه. وإذا كانت التنمية تعني كذلك عملية التحول التقدمي والمتتابع الذي يصيب مختلف أنماط الواقع السوسيو اقتصادي والثقافي للمجتمع، وما يتطلب ذلك من انبثاق ونمو كل الامكانات والطاقات الكامنة في كيان المجتمع بشكل كامل ومتوازن سواء كان هذا الكيان فردا أو جماعة أو مجتمع.
وإذا كانت التنمية كما جاء في تعريف هيئة الأمم المتحدة تعني تلك " العملية التي تمكن من توحيد جهود الكل من المواطنين والحكومة لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية، بمساعدتها على الاندماج في حياة الأمة والمساهمة في تقدمها أقصى ما يمكن فإن مفهوم التنمية الحضرية Développent urbain ، بمعناها المتداول اليوم لها علاقة وطيدو بمفهوم التنمية المستدامة والتنمية البشرية التي تنطلق من الانسان كمحور لكل عمل تنموي من خلال تثمين قدراته وتوسيع خياراته وتقوية كفاءاته من أجل أن يسير فاعلا ايجابيا في العملية التنموية ومندمجا بشكل فعال وايجابي في محيطه السوسيوثقافي والاقتصادي الحضري،د.
ويقصد بالتنمية الحضرية التي تختلف عن النمو الحضري الوصول بالإنسان إلى حد أدنى في المستوى المعيشي الذي ينبغي أن يتمتع به كل مواطن باعتباره حق ينبغي على الدولة أن تلتزم به وتعززه الجهود لتحقيق كفاءة استخدام الإمكانيات المتاحة وبالحلول الذاتية لسد الثغرات التي تبدو على مستوى هذا الحد... وبذلك يمكن التمييز بين عدة أشكال من التنمية الحضرية منها ماهو اقتصادي واجتماعي وثقافي... فالتنمية الحضرية الاجتماعية على سبيل المثال تعني توفير الصحة والتعليم والسكن الملائم والشغل المناسب لقدرات الانسان والدخل الذي يوفر له احتياجاته وكذلك الأمن والتأمين الاجتماعي وتكافؤ الفرص والانتفاع بالخدمات الاجتماعي.
وهكذا فإن التنمية الحضرية هي تلك العملية التي بمختلف جوانب الحياة الحضرية فتحدث فيها تغيرات كيفية عميقة وشاملة، تهدف بالأساس الى تهيئة المجال الحضري وتدبير موارده البشرية والاقتصادية بشكل عقلاني ومخطط له، كما تهدف إلى تنمية قدرات وإمكانيات وخيارات الانسان الحضري حتى يتفاعل بشكل ايجابي مع محيطه الحضري ويندمج فيه سوسيو اقتصاديا وثقافيا ويساهم بالتالي في تحقيق كل أهداف التنمية المحلية وعلى رأسها التنمية الحضرية.
اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي