الجمعة، 15 مارس 2019

المقاولة بين ثقافة الواقع ورهانات سياسات التحديث بالمغرب

المقاولة بين ثقافة الواقع ورهانات سياسات التحديث بالمغرب

المقاولة بين ثقافة الواقع ورهانات سياسات التحديث بالمغرب.
من خلال كتاب :  "المقاولة والثقافة دراسة في عملية التحديث بالمغرب"الجزء الأول.
لمؤلفه : الدكتور لحبيب امعمري
يُشكل كتاب التغير الاجتماعي ورهانات العولمة لمؤلفه لحبيب امعمري مدخلاً أساسيا لفهم ومقاربة أثر وتداعيات عولمة التنظيمات الاقتصادية على التغير الاجتماعي داخل التنظيم، بشكل خاص والمجتمع بشكل عام. حيث عالج هذه الإشكالية من خلال مجموعة من الفصول ضمّنها في هذا العمل. والذي استهله بدراسته للتنظيم الاجتماعي بين الخطاب والواقع، موضحا هذا بطرحه إشكالية المقاولة كتنظيم اجتماعي له ارتباط وثيق بالواقع الثقافي، الذي تسعى المقاولة إلى مراعاته وتكييفه وتوجييه  وفقا لمعطياتها التي تتفاعل مع الظروف الاقتصادية التي تُمليها رهانات العولمة، بما يُمَكنها من صنع وابتكار واقع اجتماعي جديد قادر على الإسهام في إحداث توزانات معينة في المجتمع.
كما أن المقاولة تعتبر  فاعلا اقتصاديا، تهدف إلى ترسيخ الظاهر ة التنظيمية عبر فِعْل التأهيل في المجتمع، فالمقاولة جاءت كامتداد لدينامية سياسة التحديث التي انخرط فيها المغرب إبان النصف الثاني من القرن العشرين، من خلال الاتفاقيات الدولية التي سعى عبرها  إلى الانتقال من الاشتغال على تحقيق التوازنات المالية  إلى الاعتماد على القطاع الخاص في مخططات ومشاريع النمو الاقتصادي، والتي في مقدمتها المقاولة كتنظيم اقتصادي واجتماعي، يُمكِنُ من خلالها إيجاد حلول لبعض القضايا والظواهر التي يلفظها المجتمع، (كالبطالة والتهميش والفقر ..).إذن فالمقاولة وان كانت تُسهم في خلق فرص للشغل،  فهي بشكل أو بأخر  تعمل على تكريس الفوارق الاجتماعية.
        إذن فهذه العوامل مُجتمعة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية داخل التنظيم، تُشكل موضوعاً للبحث والدراسة السوسيولوجية، ذلك أن الثقافة "لها هذا الطابع المتمثل في إنغراس السلوكات في الواقع الاجتماعي من خلال المعايير والقيم والممارسات التي يتمسك بها أفراد التنظيم لمدة طويلة في تفاعلهم مع الآخرين".
فالتركيز على الجانب الثقافي داخل التنظيم وتطوره في سوسيولوجيا التنظيمات حسب لحبيب امعمري يؤدي إلى نزعة ثقافوية culturalisme كبديل للوظيفية fonctionnalisme  والبنيوية structuralisme أو النزعة النسقية systémisme  التي كانت سائدة من قبل.
هذا الجانب الثقافي الذي يعتبر ركنا ركين في المقاولة كتنظيم، يصعب فهم سياقاته المختلفة حسب بعض الدارسين، من دون الإعتماد على المقاربة السوسيولوجية التي من خلالها يُمكن فهم المشاكل التي تعيشها المقاولة، فسوسيولوجيا التنظيمات تمتلك ما يكفي من الآليات والخبرات النظرية والميدانية التي تجعلها قادرة على المساهمة في تطوير  وتحسين وضعية هذه التنظيمات.
  إن هذه الدراسات السوسيولوجية حسب لحبيب امعمري يعتبرها ضرورة علمية مُهمة للنهوض بوضع المقاولة المغربية. ويؤكد على أنه هناك افتقار بخصوص الدراسات والمقاربات التي تغطي هذا الموضوع، إذا استثنينا بعض الدراسات النظرية والإمبريقية لسعيد الطنجاوي سنة 1993 ونورالدين العوفي سنة 2000.
فهذه المقاولة باعتبارها منتوج غربي خالص، استطاعت أن تحقق تطورات كبيرة في المجتمعات الغربية المتباينة، مما جعل الدول "المتخلفة" ومنها المغرب تحديداً، أن يستورد هذا الهابيتوس الغربي باعتباره نموذجاً أمثلاً ومعيارياً، يُمكن اعتماده لتقويم الاختلالات وإحداث التوازنات داخل المجتمع المغربي الأقل تبايُناً والأكثر وضوحاً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فهو من المجتمعات العتيقة التي لازلت تلاحقه الذهنية القبلية والرواسب الثقافية التي تُكبله وتجعله غير قادر على الاندماج بشكل سريع مع كل ماهو حديث.
وبالتالي هنا المقاولة تطرح إشكالا باعتبارها تنظيماً حديثا، خاصة وأن هذا المجتمع يقوم على مجموعة من القضايا. من بينها عامل القرابة، وهنا ليس المقصود القرابة الدموية، وإنما عوضا عن ذلك القرابة المبنية على التحالف أو ما يصطلح عليها بالقرابة الزبونية، التي تحول دون إبراز الكفاءة، سواء تعلق الأمر بأي مقاولة من المقاولات المصنفة حسب نور الدين العوفي وزملائه، وهنا يمكننا أن نستنجد بما ذهب إليه ميشيل فوكو "إن الإنسان الذي يولد في مجتمع ما تطبع فيه ثقافة ذلك المجتمع".
    إذن فالتحليل السوسيولوجي هنا حسب لحبيب امعمري ينبغي أن يركز على التفاعل القائم بين الفاعلين الاجتماعيين داخل التنظيم ويعمل على تحديث وتغيير السلوكات والعلاقات والبنيات الاجتماعية، بما يواكب تطلعات المقاولة على المستويات الاقتصادية والثقافية التي تُواجهها، بفعل التسارع المتنامي واللامتناهي للعولمة التي جعلت من الفعالية الاقتصادية هدفها الأسمى، مُعتبرة أن الاقتصادي هو المهيكل. ذلك أنها لا تهتم بالأبعاد الثقافية الناتجة عن التفاعل بين الأفراد فيما بينهم  وبين المقاولة ذاتها كتنظيم.
وهنا نستحضر بعض نظريات التغير الاجتماعي في السوسيولوجيا، ومن بينها النظرية الكلاسيكية التي قاربت موضوع التغير الاجتماعي من منظور حتمي كالنظرية الماركسية والدوركايمية، والتي تُجمع بأن التغير يسير في مسار خطي تراكمي، من البسيط إلى المعقد، لكن المجتمع المغربي عوضا عن ذلك يقوم على أساس ديناميات ثقافية واجتماعية من قبيل القرابة كما أسلفنا والعرض والشرف والنسب ..
وبالتالي هذا المجتمع نجده أمام إشكالين :
 الإشكال الأول : استقبال هذا الهابيتوس الغربي "المقاولة" الذي يضرب في المكون الثقافي أساساً.
الإشكال الثاني : تشبث الفاعلين الاجتماعيين بالإرث الثقافي المحلي.
 وبالتالي هنا ينبغي على المقاولة أن تُراعي هذه الخصوصيات المحلية للعنصر البشري من أجل تحقيق هدفها المنشود المتمثل في تكييف هذا الهابيتوس وجعله خادما للأوراش التنموية، على اعتبار  أن المجتمع التقليدي يسعى دائما للتفرد والتميز من خلال ارتباطه بقضايا الهوية بدل العقلنة، ودون أن ينخرط بشكل كامل في الثقافة الكونية، بحيث يعمل هذا الفاعل الاجتماعي على التأثير على الواقع بما يتماشى مع طموحاته.
فالتنظيم إذا رجعنا إليه من منظوره الفيبري، وخاصة فيما يتعلق بمفهوم البيروقراطية. يُمكننا بدءاً أن نحلل ونُفكك هذا المفهوم، فنجده يحمل دلالتين أساسيتين، الدلالة اليومية المُتداولة ذات طابع سلبي مبتذل تتمثل في (القمع، التسلط، التثاقل، البطء، الضبط..) فهذه كلها معاني البيروقراطية. في مقابل هذه الدلالة، نجد المعنى الإيجابي لهذا المفهوم مع ماكس فيبر، الذي يعتبره انتصارا لقيم العقلانية والفعالية و النجاعة، ضد الإرادة الحرة والمزاجية.
لكن في مقابل هذا التوجه، نجد التوجه الحديث لمدرسة العلاقات الإنسانية، خاصة مع "التون مايو" وزملاءه، الذي يقوم على العديد من المبادئ الأساسية، حيث يعتبر التنظيم كائنا اجتماعيا، الذي من خلاله ينسج الفاعلين الإجتماعيين علاقات اجتماعية مُفعمة بالود والمشاعر والطيبوبة. التي تنعكس ايجابا على الوضعية الإنتاجية، بحيث يصبح الفاعل الاجتماعي مُحباً لعمله، ويضيف هذا الاتجاه بأن التخصص وتقسيم العمل والإجراءات، تؤدي إلى آلية روتينية في العمل مما ينتج عنه السأم والملل.
وبالتالي فهذا التوجه، يؤكد على ضرورة تحويل وتغيير العلاقات بين الفاعلين الاجتماعيين وأرباب هذه التنظيمات من علاقات عمودية قائمة على التسلط والتعسف والضبط، إلى علاقات أفقية تهدف إلى تدبير التنظيم وفق رؤية تشاركية في صناعة القرار واتخاذه، بعيداً عن كل ماهو وظيفي.
والتنظيم إلى هُنا، يُمكن تعريفه، أنه "وحدة اجتماعية يتمُ إنشاؤها من أجل تحقيق هدف معين." هذه الوحدة الاجتماعية هي في حالة دينامية مُستمرة، وكونها كذلك، فهي دائمة التعلم من أخطائها.
فهذه الاتجاهات و السرود من قبل (العقلانية، التنشئة، التعاون، التكيف، التعلم) قد أسالت أكبر قدر من الحبر في علم الاجتماع، وبخاصة في سوسيولوجيا التنظيمات، باعتبارها تعكس طابع التنظيم كعملية اجتماعية، ساعدت في إيضاح وبروز سياسات التحديث من خلال المقاولة المعاصرة المتفاعلة مع محيطها الاجتماعي، بفعل الوظائف المختلفة التي تؤديها.
              كما أسلفنا ، فالمقاولة باعتبارها آلية من آليات التحديث، ينبغي أن تراعي الخصوصيات المحلية(القيم، التقاليد، الاعراف...). من أجل تسهيل اندماج الفاعلين الاجتماعيين في هذا النموذج الحديث، عبر  اشتغال التنظيم ثقافيا على تحديث العلاقات الاجتماعية داخله. و لعل الدراسة التي أنجزها "دير يبان" في شركات "طومسون" بالدارالبيضاء المغرب، خير دليل على أهمية تكييف العوامل الثقافية داخل المقاولة، إلا أن لحبيب امعمري ينبه إلى خطورة الإفراط في التركيز على العوامل الثقافية حيث يعتبرها ضربا من التدجين و التخدير  أو كايديولوجيا غايتها خدمة أرباب العمل. و هذا من شأنه أن يتعارض مع الدراسة السوسيولوجية التي تعمل على تحديث العلاقات الاجتماعية داخل التنظيم.

الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أستاذ باحث في السوسيولوجيا، رئيس شعبة علم الاجتماع بفاس، ومدير مركز الأبحاث النفسية والاجتماعية بكلية ظهر المهراز بفاس.
[2] تعريف التنظيم عند امتاي اليزيوني
اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي